آخر الأخبار :

تقدير موقف الدور الأوروبي في عملية التسوية بعد إعلان "ترامب" حول القدس

مقدمة
أعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب بتاريخ 6/12/2018 قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما يتبعه من نقل للسفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وذلك في كلمة ألقاها في البيت الأبيض قال فيها: "أود أن أقول إنه حان الوقت للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. الرؤساء السابقون تعهدوا بنقل السفارة لكنهم لم يوفوا بوعودهم".[1]

يعدّ هذا الإعلان مؤشرًا على التراجع عن انتظار نتيجة المفاوضات، باعتبارها الركيزة الأساسية لحل القضية الفلسطينية خلال فترتي الرئيسين السابقين جورج بوش (2001-2009) وباراك أوباما (2017-2009).

سبق هذا الحدث مؤشرات عن احتمال التراجع عن حل الدولتين، ففي تاريخ 15/2/2017، صرح ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض: "أنا منفتح على حل الدولتين، وعلى حل الدولة الواحدة".
اعتبرت القيادة الفلسطينية أنّ الولايات المتحدة لم تعد راعيةً لعملية السلام بعد اتخاذها قرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وظهر ذلك بتصريح لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قال فيه: "هذه الإجراءات تمثل إعلانًا بانسحاب الولايات المتحدة من ممارسة الدور التي كانت تلعبه خلال العقود الماضية كراعٍ للسلام".[2]
وبالنظر إلى تحركات القيادة الفلسطينية وتصريحاتها، فهي تتجه نحو المنظومة الدولية للبحث عن راعٍ بديل للسلام، من بينهم الاتحاد الأوروبي، إذ صرح رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني، في مقابلة أجراها مع وكالة "يورو نيوز" بتاريخ 23/01/2018 أنّ الاتحاد الأوروبي "مؤهل" للعب دور الراعي للعملية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.[3] وقد رفضت الدول الأوروبية قرار "ترامب" وأعلنت تمسّكها بخيار حل الدولتين كأساس لحل الصراع.
في ظل هذه الظروف، تطرح هذه الورقة تساؤلًا حول ماهية دور الاتحاد الأوروبي في عملية السلام في ظل التطورات الراهنة؟

الموقف الفلسطيني واللجوء إلى القانون الدولي
تبلور الموقف الفلسطيني بشأن الراعي البديل، إلى المطالبة بآلية متعددة الأطراف تشمل الاتحاد الأوروبي، ولا تستبعد الولايات المتحدة. وهو ما عبّر عنه الرئيس عباس، في خطابه، في اجتماع مجلس الأمن بتاريخ 20/2/2018 بالمطالبة بإيجاد آلية دولية متعددة الأطراف لحل القضية، تنبثق عن مؤتمر دولي، وتكون الشرعية الدولية مرجعيتها. ولم يتطرق في خطابه إلى استثناء الولايات المتحدة، أو دعوة جهة بعينها للانفراد بالرعاية، وطالب الاعتراف بدولة فلسطين، رافضًا أن يكون ذلك عقبة أمام المفاوضات.
ويمكن أن تشكل الدعوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعم عضوية فلسطين في المنظمات الدولية، أساس المطالب الفلسطينية من أوروبا في المرحلة المقبلة.

الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية
يعد العام 1980 نقطة تحول في موقف الاتحاد الأوروبي (كان يسمى حينها المجموعة الأوروبية)، فتبنى سياسة خارجية واضحة تجاه القضية الفلسطينية، من خلال إصدار إعلان "البندقية" الذي أقر بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
حاولت دول المجموعة بعد ذلك تفعيل دورها في العام 1991 في مؤتمر مدريد، التي ظهرت فيه المساهمة الأوروبية الرسمية والفعلية كعضو مراقب، من خلال المشاركة في العديد من اللجان متعددة الأطراف.
وسعت أوروبا من خلال المؤتمر لتفعيل دورها في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين[4]، وفشلت الجهود الأوروبية لإحلال السلام في المنطقة، كما فشل مؤتمر مدريد بإيجاد صيغة متفق عليها بين الأطراف.
أما في محادثات أوسلو في العام 1993، فانحصر الدور الأوروبي في المباحثات متعددة الأطراف، من خلال لجان خاصة متعلقة بقضايا اللاجئين والمياه، التي عقدت معظم اجتماعاتها في العواصم الأوروبية.
بقي الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية ثابتًا ولم يتغير، فهو مؤيد لإقامة دولة فلسطينية وفق "حل الدولتين"، ولتحقيق ذلك اشترك الاتحاد الأوروبي في العام 2001 في تشكيل "اللجنة الرباعية الدولية" المكونة منه ومن روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة. وترى الرباعية أن المفاوضات الوسيلة الوحيدة لحل الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية كإطار مرجعي لها.
يأتي موقف الاتحاد الأوروبي الرافض لقرار ترامب استنادًا إلى هذه الرؤية الأوروبية لحل الصراع، وتأكيدها على أن قضية القدس لا يمكن إنهاؤها إلا بموجب "حل الدولتين"، وبعيدًا عن التفرد بالقرار، إذ صرحت فيديريكا موغيريني، الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بأن "الاتحاد الأوروبي يعرب عن بالغ قلقه إزاء إعلان الرئيس الأميركي ترامب حول القدس، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تداعيات على فرص السلام".[5]
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن حكومتها لا تدعم قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل ستيفن سايبرت، المتحدث باسمها، قولها في تغريدة على موقع "تويتر" جاء فيها أن الحكومة الألمانية "لا تدعم هذا الموقف، لأن وضع القدس لا يمكن التفاوض بشأنه إلا في إطار حل الدولتين".[6]
تأتي المواقف الأوروبية تجاه الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية وفق رؤيتها لحل الصراع، التي تقوم على "حل الدولتين"، ولكن اقتصار هذه المواقف على التصريحات والبيانات جعل منها دورًا مكملًا لا يرتقي، وغالبًا، لا يسعى، لمنافسة الدور الأميركي، ولا حتى لمستوى دوره الاقتصادي والتمويلي.
محددات السياسة الأوروبية الخارجية
يتحكم بدور الاتحاد الأوروبي وسياسته الخارجية محددات عدة:
التركيز على الاقتصاد
يعد الاتحاد الاوروبي تكتلًا اقتصاديًا بالدرجة الأولى، أكثر منه سياسيًا، مما حدّ من تأثير مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، لا سيما أنه يفتقد إلى الرؤية السياسية الخارجية المتبلورة.

افتقار الاتحاد الأوروبي إلى المركزية في اتخاذ القرار
على الرغم من وجود الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أن القرارات تتخذ من خلال العمل على الدمج بين المصلحة المشتركة للاتحاد والمصلحة الوطنية للدول الأعضاء، إضافة إلى السعي لتقريب وجهات النظر بينها، وهذا بدوره يؤثر على فاعلية القرارات، ومدى التزام الدول الأعضاء بها.

تباين مواقف الدول الأعضاء من القضية الفلسطينية
إن التباين في موقف الدول الأعضاء من القضية الفلسطينية أضعفَ من مقدرته على إيجاد خطة سياسية واضحة وفاعلة، فعلى الرغم من جميع المحاولات الأوروبية لإيجاد مبادرات من شأنها تعزيز دور دول الاتحاد في عملية السلام، إلا أنّ نشاطها تركز بعد توقيع اتفاقات أوسلو على تمويل العملية السلمية، من خلال تقديم الدعم المالي والاقتصادي للسلطة الفلسطينية، إذ أشار المجلس الأوروبي المجتمع في كورفو اليونانية في تقريره لسنة 1995 إلى أن الاتحاد الأوروبي أصبح أول كتلة ممولة لعملية السلام من خلال دعمها للسلطة الفلسطينية.[7]
وفي المقابل، عزز الاتحاد الأوروبي علاقات التعاون مع "إسرائيل"، لتصل إلى توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية بينهما.
إن سياسات الدول الأعضاء تجاه القضية الفلسطينية توضح مدى التباين، إذ تسعى فرنسا ومعها إيطاليا لتطوير الدور الأوروبي، وجاء ذلك من خلال دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لانعقاد جلسة لمجلس الأمن، كما أكد المندوبان، الفرنسي والايطالي، في تصريح مشترك عنوانه "لا نوافق" على قرار الرئيس الأميركي، والتأكيد على أن القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين المحتلة.
من جهة أخرى، تعمل ألمانيا مثلًا على خلق توازن يضمن الحفاظ على مصالحها مع الدول العربية، من خلال تبني مواقف الاتحاد الأوروبي تجاه الفلسطينيين في مقابل دعمها لإسرائيل. وفي الوقت الذي رفضت فيه ألمانيا قرار ترامب، صوّت البرلمان الألماني بتاريخ 26/4/2018 على قرار يهودية دولة الاحتلال، للحفاظ على سياسة التوازن.[8]
كان للعديد من الدول الأوروبية موقف مغاير، بما في ذلك دراسة الاعتراف بدولة فلسطين، ففي اجتماع الحكومة السلوفينية المنعقد بتاريخ 14/1/2018 قدمت قرارًا للبرلمان يتضمن الاعتراف. كما أطلع وزير الخارجية الإيرلندي الإسرائيليين خلال زيارته الأخيرة إلى تل أبيب بأن إيرلندا تدرس بشكل جدي مسألة الاعتراف بفلسطين كدولة.[9]

العلاقة الأميركية الأوروبية
إن لطبيعة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تأثيرًا كبيرًا على موقف الاتحاد الأوروبي من الصراع، وذلك لحجم المصالح الإستراتيجية بينهما، وهو ما أدى إلى عدم تطور الرفض الأوروبي من إعلان "ترامب" إلى موقف فعلي.

أثر الموقف الأميركي الإسرائيلي على دور الاتحاد الأوروبي
ترفض إسرائيل أي بديل للولايات المتحدة لرعاية عملية السلام، التي تعد الحليف الأقوى والأبرز لها، وتعتبر وجود البديل سيضر بتحالفها، إذ باتت تراه أساسًا لعملية السلام، وتتعامل مع كل من يخالفه على أنه يرفض عملية السلام.
يتبين ذلك من تصريح نتنياهو الذي قال فيه: "رسالتي للرئيس أبو مازن، أن لا بديل عن الولايات المتحدة الأميركية لرعاية عملية السلام، ولا يمكن أن تكون هناك عملية سياسية دون القيادة الأميركية لعملية السلام"، مضيفًا "أن من يرفض الرعاية الأميركية يرفض عملية السلام برمتها".[10] وجاء ذلك أثناء استقباله لمايك بنس، نائب الرئيس الأميركي بتاريخ 21/1/2018.
بالإضافة إلى ذلك، وصف نتنياهو بنس بأنّه حليف وصديق لإسرائيل، وهذا ما يؤكد أن إسرائيل والولايات المتحدة لن تسمحا بوجود أي طرف يرفض الرؤية الأميركية والإسرائيلية لعملية السلام.

خاتمة
يفتقر دور الاتحاد الأوروبي إلى الرؤية السياسية المستقلة تجاه القضية الفلسطينية، لاعتبارات منها اختلاف مواقف الدول الأعضاء فيه تجاه القضية، والهيمنة الأميركية الإسرائيلية التي ترفض أي رؤية مخالفة لتحالفها. وفي ظل غياب الصيغة الفلسطينية الواضحة، فإن كل محددات السياسة الأوروبية الخارجية تجعل من فرص الاتحاد الأوروبي ضعيفة للتطوير من دوره السياسي أو لرعاية عملية السلام.

تشير الظروف إلى إمكانية تطور دور العديد من الدول الأوروبية، من خلال دعم الخطوات الفلسطينية بالمؤسسات الدولية، والاستجابة لدعوة الفلسطينيين إلى الاعتراف بدولة فلسطين كأساس لعملية السلام، ويعتمد هذا على قدرة القيادة الفلسطينية على وضع خطة ضمن إجراءات واضحة تؤهلها من التوجه إلى القانون والمؤسسات الدولية، والعمل على نيل اعترافات جديدة بدولة فلسطين لتتمكن من مواجهة تفرد الولايات المتحدة بالقرار.




نشر الخبر :
رابط مختصر للمقالة تجده هنا
http://www.pn-news.net/news8413.html
نشر الخبر : Administrator
عدد المشاهدات
عدد التعليقات : التعليقات
أرسل لأحد ما طباعة الصفحة
التعليقات
الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.